الشبكة الموحّدة - أنماط العنف - سورية

الطفلة السيدة … والدة الطفلة

02.02.2021 / تم الإنشاء من قبل SWN

خولة سمعان

ما تزال المداورة والمداهنة في تحليل مشاكلنا الاجتماعية تفتح السبل كافة لحدوث المزيد من المشاكل والعراقيل، وما ذاك إلا للتملص من الاعتراف بحتمية المساواة بين الجنسين، إذ تتعلق بها معظم الحقوق الأساسية، من ذلك: حق التعليم وحق العمل والحضانة والنسب والإرث… كما تندرج بعض الجرائم في سلم مؤديات التمييز على أساس الجنس، كجرائم الشرف وزواج الأطفال أو زواج القاصرات، هذه الظاهرة الآخذة في الازدياد ولا سيما إبان الحرب والتشرد والعوز.. والتي سينجم عنها العديد من المشاكل النفسية والجسدية والتي قد تطول مدى الحياة، ولربما تودي بحياة الطفلة / الضحية – الزوجة.

بالرغم من الجهود المبذولة إعلامياً وميدانياً عبر مؤسسات مدنية ومنظمات انسانية من أجل تحجيم وإيقاف هذه الممارسة، إلا أنها في تصاعد مستمر، الأمر الذي يقود إلى إعادة النظر في كيفية الطرح وطريقة وسبل البحث فيها.

إن السيدات التالية شهاداتهن لم يغادرهن الألم حتى اليوم.. لقد دفعتني تجربتهن لكتابة هذا المبحث

السيدة نعيمة ال ج – 68 عاماً – أكسراي – تركيا: إنني أحن إلى طفولتي، لا أعرف كيف أصبحت مسنة فجأة، كل يوم أجلس هنا خلف النافذة وأنظر إلى أحفادي وهم يلعبون ويتشاجرون في باحة الدار، وأتمنى لو تساعدني صحتي الجسدية لأشاركهم اللعب، لقد زوجني والدايّ حينما كنت في ال14 من عمري، كنت أحب المدرسة كثيراً، وأحلم أني سأصبح معلمة مثل الآنسة بثينة، لقد أرغماني على الزواج، غادرت بيت أهلي إلى بيت زوجي وبقي بيت أهلي عامراً بأخوتي وأخواتي، ولم أفهم لماذا فعلوا هذا بي؟ قال أبي أنه يريد توفير نفقات تعليم أخي، لقد توفي زوجي عن عمر 71 عاماً وأصبحت أرملة بعمر 34 عاماً وأصبح لدي أولاد أيتام..

الآن أنا لا أوافق على زواج حفيداتي قبل أن يكملن تعليمهن، ولو رزقني الله بنتاً لكنت علمتها حتى تنال الشهادة التي تريدها.

السيدة صفاء.. شمال سوريا ( محادثة هاتفية): كنا فقراء، أبي مريض وأمي تعمل كي تعيلنا، تزوجت بعمر ال13 سنة وزوجي أكبر من أبي بسنتين، لقد عاملني بلطف، غير أن المرض بدأ يلتهم جسدي يوماً بعد يوم، لقد أصابني نزيف في الرحم إثر حملي الأول، ومن ثم توالت الأمراض، لقد خسرت نظري، وتساقط شعر رأسي، وأصابتني أمراض جلدية غريبة، لم أكن أعرف أن النزيف الذي أصابني مراراً وتكراراً والإجهاضات المتتالية وانقطاع الطمث المبكر سبب في الأمراض التي أعانيها اليوم لولا أن الأطباء أخبروني بذلك.

السيدة ريم (…) أنقرة – سيتيلار أكره أولادي، لقد خلعوا وركي وجلبوا لي الأوجاع، الفارق بيني وبين بنتي هذه خمسة عشر عاماً، أنا ما كنت عرجاء من قبل، هم جلبوا لي العرج والكآبة ووجع الرأس.

السيدة (غ) مدينة الزرقاء -4 الأردن

تزوجت ( غ) منذ أربع سنوات مضت في مخيم الأزرق في الأردن بعمر 14 سنة من شاب عمره 16 سنة، شاركته أحلامها وآمالها بحياة جميلة كما كانت تفكر وتزوجا مندفعين بأهوائهما وبتشجيع من المحيطين بهما، تطلقت قبل أن تكمل سنتها الأولى معه، إثر ولادتها لطفلها الذي لم تره أبداً، والذي أخذته جدته لأبيه كي تربيه بنفسها.

-5 السيدة نبيلة – بورصا – تركيا

لمّا تقدم لخطوبتي راح يتودد إلي، يبتسم في وجهي حين أقدم له الشاي، رغم قسوة أبي وصرامته لم يكن يعترض على مجيئه لزيارتنا، لذلك رحت أعقد مقارنات بين خطيبي اللطيف وأبي القاسي، وأحلم بالعناية والدلال اللذين سأتلقاهما عنده، كان عمري 13 سنة وكان هو قد فقد زوجته وأولاده في الحرب، لم أكن أعلم بالضبط كيف؟ ثم علمت أنهم سافروا دونه إلى جهة ما..

أصبح عمري اليوم عشرين سنة، لقد عدت إلى منزل أهلي، كثيراً ما يتقدم لي الخاطبون، لكني لا أريد، لا لا أريد… لا أريد أن يغتصبني أحد من جديد!.

إن مثل هذه السيدات المترعات بالألم كثيرات، وما هذه إلا جوانب قليلة من حالات عديدة حدثت ولا زالت تحدث في مجتمعاتنا رغم انتشار التعليم، ورغم كل النشاط والجهود المكرسة لإيقاف هذه الممارسة، لأننا – على الجهة المقابلة – نلقى مفاهيم ودعوات وظروف معينة تحدو بالأهالي للسعي إلى تزويج بناتهم القاصرات، إذ ينشط الترويج لها عن طريق بعض قنوات الإعلام الظلامي وبعض الدعاة الذين اصطلحوا تسمية أخرى لزواج الأطفال وأطلقوها عليه باسم ( الزواج المبكر) لشرعنته، مدعين أن في ذلك خيراً كثيراً كالستر على الفتاة بمجرد حدوث التغيرات الفيسولوجية في جسمها.. وهلم جراً.. الأمر الذي يَطرَب له الكثيرون في المجتمعات الذكورية فيعمدون إلى تزويج بناتهم الصغيرات مستغلين سلطتهم الأبوية للتحكم بمصائر بناتهم دون عائق من قانون أو مجتمع.

ساهمت الظروف الاقتصادية السيئة إبان الحرب في تنشيط هذه الممارسة، كما دأبت بعض المفاهيم والعادات على حث الأهالي إلى ذلك كقولهم ( رجل يحميها، رجل يسترها.)

في غياب المساواة بين الجنسين تبقى النظرة إلى الفتاة على أنها العبء الثقيل الذي يسعى الوالدان أو الأخوة الذكور إلى التخلص منه، وتظل هي الحلقة الأضعف في نسيج الأسرة والمجتمع، وتبقى أي علاقة عاطفية محرمة إن لم تكن ضمن إطار الزواج، وبما أن التشريع لم ينص على حد معين لزواج الفتاة، بل بالعكس أباح تزويجها تاركاً تقدير ذلك للقاضي الشرعي ليقرر ( إن كان جسدها يطيق الزواج) ! ولم يميز بين سن الرشد وبين ( البلوغ) أي حدوث الدورة الشهرية التي يترواح حدوثها بحسب كل فتاة.. إذ أن للغذاء وللمناخ الجغرافي وللوراثة دور في حصولها كما هو معروف.

تتعدد الدوافع في ممارسة تزويج القاصرات، كما تختلف فيما بينها في بعض الأسر أو المجتمعات، غير أنها تشترك بقاسم واحد وهو الجهل أو نقص التعليم والفقر، لذا كان لابد من الإحاطة بأهم النتائج المترتبة عليها:

على صعيد الصحة الجسدية لا بد من معرفة مراحل نمو الطفل الجسمي التشريحي والعقلي المعرفي، ذلك أن عملية نموه لا تتوقف في مرحلة محددة، إذ يتوقع الأهل أنه بمجرد ظهور بعض التغييرات الجسدية لدى الفتاة تنتهي طفولتها وتصبح قادرة على الزواج، والحقيقة أنها تمر بحالة استاتيكية غير ثابتة على المستوى الجسدي والنفسي، وأن التغييرات الفيزيولوجية الهرمونية التي تحدث في جسم الفتاة في مرحلة الطفولة المتأخرة وفي سن المراهقة تؤدي – حتماً -إلى التأثير على انفعالاتها وسلوكها، ومن الطبيعي أن تكون قراراتها في هذه المرحلة مضطربة وغير واضحة تماماً، أما من الناحية الجسدية فإنه من المعلوم أن النماء الجسدي لايزال آخذاً في التطور والتبدل حتى سن ال18 -20 لذا فإنه من المرجح أن تتعرض الفتاة إلى مشاكل صحية عديدة في حال زواجها قبل اكتمال نموها الجسدي، وقد أظهرت الاحصائيات الطبية أن نسبة الإصابة بأمراض معينة هي أعلى منها لدى الزوجة الصغيرة في السن عنها من السيدة المتزوجة في السن الطبيعي.

إنه من المهم جداً أن نشير إلى بعض الأمراض التي سجلت شيوعاً ملحوظاً لدى الزوجات الصغيرات، وننوه إلى أنها ليست أمراضاً عارضة، بل من الوارد أن تستمر لمرحلة طويلة من العمر وقد تتعقد وتتشابك مع أمراض أخرى، من ذلك تسمم الحمل وفقر الدم وتشوه الحوض وتوسعه بطريقة غير سليمة، كذلك لوحظ حصول في اضطراب الدورة الشهرية ومن ثم انقطاع الطمث في سن مبكرة وبالتالي تأثر الغدد الحيوية، ومن المعروف أن العديد من الهرمونات ذات الحيوية المباشرة ترتبط بشكل واضح بنشاط الدورة الشهرية، ما يعني احتمال حدوث أمراض ذات صلة أو غير ذات صلة بالجسد الذي حصلت فيه هذه الأعراض ، وتتنوع أمراض الرحم وعلى رأسها سرطان الرحم، بيّن مجلس الأبحاث الطبي البريطاني أن النساء اللاتي حدثت لديهن اجهاضات مبكرة هن أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم الشرياني.

إن الزواج والعلاقة الجنسية الجسدية في سن صغيرة يشكل استهلاكاً لجسد الفتاة، وهو من ناحية أخرى مسئولية غير مفهومة بالنسبة لها، ومن الوارد أن يُحدِث رضّاً نفسياً قهرياً لا يقل خطورة عن الأمراض الجسدية.

عدا عن مصادرة الطفولة وارتهانها لدى رجل يمارس عليها دور الزوج/ الآمر الناهي، يمتلك كافة الحقوق في إدارة حياتها كما يشاء، ما يجعلها متدربة جيدة في مدرسة العبودية في مرحلة عمرية حساسة وهشة.

لعله من العسير حصر الآثار النفسية أو العصبية المتأتية عن زواج القاصرات، ذلك أن لكل حالة ظروف وبيئة مختلفة.. غير أننا نستطيع الوقوف على الأعراض الأكثر شيوعاً، ومنها:

زيادة التوتر الدائم نتيجة الإرهاق المبكر الذي تتحمله الزوجة – الطفلة نفسياً وجسدياً، والذي قد يتحول إلى حالة عصبية، كونها غير مؤهلة لتحمّل مسئوليات الزواج والأولاد. الانكسار النفسي واستلاب الشخصية نتيجة الخضوع إلى الزوج وعائلته قبل نضوج شخصيتها، وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من حالات زواج الأطفال إنما تمت بدافع الفاقة والفقر الشديدين، ما يماثل عملية بيع وشراء، ولا سيما حين يصّر الزوج على تذكيرها بالأموال التي دفعها في هذه الصفقة . الشعور الدائم بالنقص والحرمان كما في حالة السيدة نعيمة ذات ال68 عاماً، لأن مرحلة من العمر تم استلابها وحذفها نهائياً. كثيراً ما تكون العلاقة الأمومية غير سليمة لعدم تأهل الأم الصغيرة في السن لممارسة دور الأم ( حالة السيدة ريم) اكتئاب الحمل والولادة والذي قد يستمر طويلاً، بالإضافة إلى العزلة الإجتماعية المفروضة على السيدة الصغيرة جرّاء انتزاعها من محيطها ومدرستها، وهذا يعني أن السيدة القاصر قد لا تعرف السعادة أبداً. معظم الرجال الذين يسعون إلى الزواج من فتاة صغيرة في العمر – كما يصرّخون بأنفسهم – يفعلون ذلك من أجل أن ( يربيها على يديه وكي تنجب له الذرية الكثيرة) وهذا يشير بوضوح إلى اختزال كيان المرأة في حاجتين أساسيتين: الطاعة والانجاب. على الصعيد الاجتماعي:

حرمان المجتمع من نصف طاقاته الإبداعية والإنتاجية نتيجة حرمان الفتيات الصغيرات من إتمام تعليمهن وبالتالي الحرمان من العمل والمساهمة في بناء الوطن. ارتفاع نسبة الأمية لحرمانهن من التعليم نقص في مستوى الوعي الفكري والعملي، هذا النقص سينتقل بدوره إلى الأجيال التي ستنجبها هؤلاء النسوة الصغيرات، ما يعني تكرار المأساة. ازدياد نسبة الأرامل والمطلقات ولا سيما أولئك المتزوجات من رجال كبار السن. توصيات

لا بد من العمل على إيقاف هذه الممارسة ، وبالتأكيد سوف يكون لتأصيل مفهوم الجندر والمساواة بين الجنسين دوراً بالغ الأهمية في الحد من هذه الظاهرة.

إن معالجة زواج القاصرات تتطلب الاعتراف بالعوامل المسببة لها، ومن أجل إحداث قفزة نوعية في الوعي الاجتماعي لا بد من الالتفات إلى المناهج التربوية والدراسية وتعديلها بما يتناسب وروح العصر، كذلك من الضروري النظر في القوانين واللوائح المنظمة للزواج والنص ّ على تحديد سن الزواج، وتفعيلها من أجل منع هذه الممارسة ومواكبة ذلك اعلامياً.

__ ________

المراجع

المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية – موقع الكتروني. Healty children org. Retrieved 21-20-2020 edited. The growing child teenagers (13-18 years) www Stafford children’s org retrieved 21-20-2020 Medical Research council ( M R c) مجلس الأبحاث الطبية البريطاني. اليونسيف بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان – 2016 البرنامج العالمي للقضاء على زواج الأطفال. خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

التعليق

أنشئ حسابا لكتابة تعليقا وللتبادل مع الأعضاء

التسجيل مع المؤسسة