مشروع قانون العنف ضد المرأة التشريع التونسي يطوّق الظاهرة فهل يوقف النزيف... ؟
"القضاء على العنف ضد المرأة" مشروع قانون أساسي، شغل اهتمام النساء التونسيات وحتى الرجال من التونسيين، أثار مؤخّرا جدلا واسعا في العديد من الأوساط التقدميّة والمحافظة ، وناضلت من أجله الحركة النسوية وارتفعت أصوات الحقوقيين والناشطين في المجتمع المدني من اجل دعمه ومناصرته. فبالرغم من انّ تونس دولة رائدة في مجال النهوض بحقوق النساء، وتقدمت عن العديد من الدول العربية منذ استقلالها بصدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956 وتلتها العديد من التشريعات الهامة لتتعزز هذه المكاسب بدستور 2014 الذي يقر مبدأ التمييز الايجابي للمرأة .. ما تزال النساء التونسيات معرّضات للعنف بجميع أشكاله ومظاهره، ليظلّ أحد اخطر الظواهر التي تعاني منها اغلب مجتمعاتنا.. وأحد مظاهر الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان.. لقد أثبتت الدراسات في تونس تفشي ظاهرة العنف بصفة عامة والعنف ضد المرأة بصفة خاصة، حيث أن 47,6 بالمائة من النساء تعرضن لأحد أنواع العنف مرّة على الأقلّ في حياتها، وأن نسبة 53,3 بالمائة من النساء تعرضن إلى العنف في الفضاء العام، كما أن نسبة الأطفال ضحايا العنف داخل الأسرة تبلغ 93 بالمائة. هذا الواقع دفع بوزارة المرأة والأسرة والطفولة لمبادرة اقتراح مشروع قانون أساسي يتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة ، أحيل على مجلس النواب يوم 28 جويلية 2016 بعد ان صادق عليه مجلس الوزراء بتاريخ 13 جويلية 2016 . يهدف مشروع هذا القانون، الذي يندرج في إطار ما نص عليه الفصل 46 من الدستور التونسي، إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك باتبّاع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية والحماية والإحاطة والردع. ويطرح هذا المشروع إدراج مكافحة العنف والممارسات التمييزية ضد المرأة ضمن البرامج التعليمية والتربوية والتكوينية، وضرورة توفير الحماية القانونية والحق في المتابعة الصحية والنفسية والمرافقة الاجتماعية للنساء ضحايا العنف، إلى جانب تعريف العنف والالتزامات المحمولة على الدولة من حيث الوقاية والحماية ووجوب الإشعار. كما جاء فيه تشديد العقوبات في قضايا الاغتصاب وإسقاط حق تزويج المغتصب بضحيته. وردع العنف الأسري ضد المرأة بكل أشكاله بما في ذلك جريمة الاغتصاب، إلى جانب حماية المرأة من المضايقات في الأماكن العامة وتجريم التمييز في الأجر على أساس الجنس وتحمّل الدولة مسؤولية توفير الحماية والإحاطة بالمرأة ضحية العنف مع أبنائها. قراءة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية لمشروع القانون قدّم الاتحاد الوطني للمرأة التونسية قراءته النقدية لهذا المشروع يوم 16 فيفري 2017 حيث اعتبرت الأستاذة راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية انّ اكساء مشروع القانون طابع قانون أساسي خطوة هامة في تطبيق مبادئ الدستور التونسي لسنة 2014 وللأحكام الناصّة على دسترة مكتسبات المرأة ومبادئ المساواة بين الجنسين وتطبيق المواثيق والمعايير الدولية وللتعاليم الإسلامية المعتدلة والسمحاء لحماية حقوق النساء والأطفال خدمة للأسرة التونسية. وبيّنت رئيسة الاتحاد الوطني للمراة التونسية ان تعرّض مشروع القانون إلى تعداد كل أشكال العنف دون تمييز مهما كان مرتكبوه وأيّ كانت مجالاته ، وتبنيه لمفهوم واسع لمرتكب الجريمة ومجالاته وتعريفه لمصطلحات بشكل دقيق ولمفهوم عبارات كالمرأة، الطفل، العنف، الاستغلال الاقتصادي والتمييز ضد المرأة وحالة الاستضعاف والضحية... ، كلّها تسهيلات ستمكّن من تطبيق القانون عند معالجة مشكلة العنف قضائيا، وستمكّن العديد ممن كانوا بإمكانهم الإفلات من العقاب من عدم الإفلات منه كاغتصاب الزوج لزوجته، واغتصاب الذكور، وزنا المحارم ، و من مقاضاتهم طبق نصوص قانونية شرّعت للغرض. كما تضمن مشروع القانون وضع الآليات والتدابير التي يجب على بعض الوزارات اتخاذها للقضاء على العنف معتبرا انّ العنف لا يمكن معالجته معالجة قضائية فقط وانّما يستوجب للقضاء عليه تغيير العقليات والسّلوكات الاجتماعية المترسّخة والرّاسخة و تقليص النظرة الدونية والعقلية الذكورية السائدة في المجتمع التونسي وما يقتضيه ذلك من تدخّل لوزارات عديدة كالتربية والتعليم والشباب والطفولة والمرأة والشؤون الدينية والتعليم العالي لاتخاذ التدابير اللازمة لوقاية المرأة من العنف ومكافحته في المؤسسات الراجعة إليها بالنظر، ووضع برامج تعليمية وتربوية تهدف إلى نبذ العنف والتمييز ضد المرأة وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. كما وفر مشروع القانون حسب المنظمة النسائية التونسية حماية قصوى للضحية عبر إقرار واجب الإشعار بكل حالات العنف، وتطرق إلى مراجعة بعض النصوص القانونية بالمجلة الجنائية بتشديد العقاب فيها و اعتبار العنف المسلط من الخطيب ظرف تشديد . كما انّ إسقاط الدعوة لم يعد موجبا أو مبررا للتخفيف من العقاب أو تطبيق أحكام الفصل 53 من المجلة الجنائية طالما نصّ مشروع القانون صراحة على انّ إسقاط الدعوى ليس مبرّرا للتخفيف. ورغم التشديد في العقاب المسلط على مرتكب جريمة التحرش الجنسي فان الفصل 226 لم يتضمن الآليات التي تسمح بحماية الضحية لما لاثبات هذه الجريمة من صعوبة سواء عند التحرش في الفضاء العام أو الخاص أو مواقع العمل. وقد كان بالامكان قلب عبء الاثبات و حماية الشاهد حتى لا نترك ايّ فرصة للجاني من الإفلات من العقاب.
الاغتصاب يشمل المرأة والرّجل ويعتبر تنقيح الفصل 227 مجلة جنائية من الاجراءت الهامة المتخذة في هذا المشروع اذ تم التوسع في اعتبار الاغتصاب يشمل المرأة والرجل وهو أمر جد ايجابي يحقق حماية للأطفال الذكور والرجال مثلما يحمي النساء ويحقق المساواة في حماية الجنسين. كما ان إدماج المفاحشة في جريمة الاغتصاب أمر هام أيضا وذلك بإلغاء الفصول 228 و 229 مجلة الجنائية مما يسمح بتوفر جريمة المواقعة بايّ فعل جنسي كان ، وعدم الإفلات من العقاب بتطبيق الفصل 53 من مجلة الجنائية .. مثلما الغي الفصل 293 من مجلة الجنائية المتعلق بزواج الفار بالبنت التي فرّ بها. ولعل إلغاء زواج الفاعل بالمجني عليها من اهمّ ما ورد بالفصل المقترح ضمن مشروع هذا القانون لما لذلك من اثر نفسي ومادي وحتى اجتماعي على الضحية خاصة انّ الواقع يؤكد انّ الزيجات المبرمة لإيقاف التّتبع لم تكن ناجحة أو ناجعة ولم تفلح في بناء أسرة وخلق الوئام والمحبة والتفاهم المنشودين في مؤسسة الزواج أو في عقد الزواج. كما تضمن مشروع القانون فصلا يجرّم بتر العضو التناسلي للمرأة أو الاعتداء عليها في مقاومة لفكرة ختان البنات التي برزت مباشرة بعد الثورة وظهر منادين وممجّدين لها. كما تعرض مشروع القانون لزنا المحارم صراحة وهي جريمة لم يقع التنصيص عليها سابقا بالمجلة الجنائية رغم تعدّد الجرائم المسلّطة على الأطفال والقصر من الأبناء والأقارب بشكل لافت بعد الثورة اكدته مراكز الانصات و خلايا الاستشارات القانونية التابعة للاتحاد. الإجراءات لم يكتف مشروع القانون بتحديد المفاهيم وتوسيع نطاق مفهوم العنف وتحديد أنواعه وتشديد العقاب عليه والتطرق إليه من زاوية تحقق المساواة بين الجنسين وفق مقاربة النوع الاجتماعي وتطبيق لقيم مبادئ حقوق الإنسان وانّما تطرق إلى العديد من الإجراءات الكفيلة بتحقيق الغاية منه والقضاء على العنف المسلط على النساء وأساسا الأطفال والفتيات. ومن هذه الإجراءات تخصيص وكالة جمهورية أو مساعد وكيل جمهورية متعهد بالعنف ، مع إمكانية التحول فورا على عين المكان لحماية الضحية (وهي وضعيات لطالما تعهد بها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية..) وضع حدّ لسلوكات أعوان الأمن الحاثة على تراجع الضحية على التشكي أو تغيير مضمون الشكوى أو تحرير محاضر في التداخل عوض محاضر شكوى مباشرة، والدفع بالضحايا إلى رفع شكاوى إلى وكالة الجمهورية لمزيد تعقيد الأمور على المتضررات والضحايا . آليات الحماية • نقل الضحية وأطفالها عند الضرورة إلى أماكن آمنة. • نقل الضحية لتلقي الإسعافات الأولية. • إبعاد المظنون فيه من المسكن أو منعه من الاقتراب من الضحية أو التواجد قرب مقر سكناها. • بعث مرصد لمناهضة العنف. • اشتراط المكافحة ّ برضا الضحية وعدم إجراء المكافحة للأطفال • وجوب سماع الطفل بحضور أخصائي في الطب النفسي • معاقبة كل من يتصدّى أو يحول دون تنفيذ قرارات ووسائل الوقاية او يتعمّد خرقها. • وضع أيضا جملة من الواجبات المحمولة على المتعهد وهو ما يحيلنا للإمكانيات المادية المستوجبة لحماية النساء من العنف. واستعرضت رئيسة الاتحاد الوطني للمراة التونسية الاستاذة راضية الجربي مؤاخذات المنظمة النسائية على هذا المشروع حيث اقترحت في الفصل الاوّل تعويض عبارة المساعدة بالتعهّد وفي الفصل الرابع اعتبرت دور الدولة غير فعّال في حين انه من أوكد الواجبات المحمولة عليها وهي حماية الأفراد وحفظ كرامتهم وضمان حقهم في الحياة والكرامة (الفصل 23 من الدستور) اما في الفصل الخامس فقد كان بالإمكان استعمال عبارات أكثر شمولية بحيث تكون لمناهضة العنف إستراتجية خاصة في كل المجالات والفضاءات العامة والخاصة. واقترحت رئيسة المنظمة ضرورة دعم المجتمع المدني وتشجيع المنظمات الناشطة في مجال العنف ضد المرأة لمواصلة القيام بدورها. إنصاف النساء من اجل تحقيق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية والعدالة بين الجنسين واكدت على ضرورة تحديد مدة الابعاد وضرورة تشريك المجتمع المدني في المرصد الخاص بمناهضة العنف. وفي خاتمة تدخّلها دعت المشرفين على صياغة هذا المشروع الى ضرورة الاستئناس بتجربة الاتحاد الوطني للمراة التونسية من خلال ما يقدمه "مركز 13 اوت لإيواء النساء المعنفات" من خدمات قانونية ونفسية واجتماعية لضحايا العنف من النساء والأطفال.
اشترك/ي في نشرتنا الإخبارية الشهرية للاطلاع على آخر مستجداتنا من أخبار و فعاليات و وثائق و موارد تُعنى بالمساواة بين الجنسين و قضايا المرأة.
هذه المنصة هي جزء من المحور 1 "تقوية قدرات الجهات الفاعلة في مجال المساواة" لصندوق التضامن ذو الأولوية "نساء المستقبل في المتوسط" الممول من قبل وزارة أوروبا و الشؤون الخارجية الفرنسية و المنسّق من قبل المعهد الأوربي للبحر الأبيض المتوسط, في إطار عمل مشروع "تطوير تمكين المرأة" المعتمد من قبل الاتحاد من أجل المتوسط.
الأعضاء المؤسسون
التعليق
أنشئ حسابا لكتابة تعليقا وللتبادل مع الأعضاء
التسجيل مع المؤسسة